القاهرة - أ.ق.ت - فادى لبيب : أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً سلط من خلاله الضوء على تداعيات التصعيد المتبادل بين إسرائيل وإيران، وحالة عدم اليقين بشأن نطاق وحدة وأمد هذا التصعيد، على الأسواق العالمية ... مشيراً إلى الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط على الصعيد العالمي، حيث تشكل هذه المنطقة مركزًا استراتيجيًا يؤثر بشكل مباشر في استقرار الاقتصاد العالمي وأمنه السياسي، باعتباره يضم أكبر احتياطات النفط والغاز في العالم، وتعد دول مثل "السعودية وإيران والعراق والإمارات والكويت" من أبرز المنتجين والمصدرين للطاقة.
ورغم استمرار
حركة الملاحة فإن أي تصعيد طفيف قد يدفع شركات التأمين إلى إعادة النظر في شروط تغطية
السفن والبضائع أو حتى تعليق الاكتتاب لبعض الرحلات المتجهة إلى الخليج وتشير التقديرات
إلى أن أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب التي كانت في السابق ضئيلة قد تتجاوز 0.5% من
قيمة السفينة لكل رحلة وبالنسبة لناقلات النفط العملاقة (VLCC) قد تصل تكلفة الرحلة الواحدة إلى مئات الآلاف
من الدولارات، وعلى صعيد الاضطرابات في الشحن واللوجستيات البحرية فقد بدأت شركات التأمين
بالفعل في رفع أقساط التأمين على السفن التي تمر بالخليج كما يضغط المستأجرون لإضافة
بنود تصعيدية في عقود الشحن.
وفي ضوء هذا
التهديد تدرس شركات تشغيل السفن إعادة توجيه مساراتها وهو خيار مكلف يزيد من مدة الرحلة
واستهلاك الوقود، فعلى سبيل المقال فإن الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح يضيف حوالي
6 آلاف ميل بحري وما يصل إلى 14 يومًا إضافيًا مما يرفع تكاليف الوقود والطاقم ويزيد
من مخاطر ازدحام الموانئ والقنوات البديلة، ووفقًا لتقرير صادر عن (S&P Global Commodity Insights)، فإن تصاعد الصراع
في المنطقة قد يؤدي إلى زيادة إضافية في أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب،
رابعًا: الذهب
شهدت أسعار
الذهب العالمية ارتفاعًا ملحوظًا منذ اندلاع الضربات العسكرية الإسرائيلية على إيران
واستمرار تبادل الهجمات بين الطرفين، وقد دفع التصعيد المتسارع في الصراع المستثمرين
إلى الاتجاه نحو الذهب كملاذ آمن في ظل تزايد المخاوف من اتساع رقعة النزاع وتداعياته
الاقتصادية.
وفي يوم بداية
الهجوم (13 يونيو 2025) ارتفع سعر أونصة الذهب بنسبة 1.3% ليصل إلى 3435.35 دولار مقارنًة
بـ 3391.4 دولار في 12 يونيو، متجاوزًا بذلك أعلى مستوى سُجل منذ بداية العام والذي
بلغ 3433.55 دولار للأونصة في 22 أبريل 2025، هذا، وقد أشارت منصة (FXEmpire) إلى ان تصاعد التوترات
بين إسرائيل وإيران دفع المتداولين إلى تعزيز الطلب على الذهب مما دفع السعر الفوري
نحو أعلى مستوياته على الإطلاق عند 3500.20 دولار، اتصالًا، فإن بيانات التضخم الأمريكية
-التي أظهرت ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.1% فقط في مايو وهو أقل من التوقعات-
عززت التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يستأنف خفض أسعار الفائدة في سبتمبر
2025 ما وفر دعمًا إضافيًا لأسعار الذهب إلى جانب الارتفاع الطفيف للدولار الأمريكي،
من جانبها رأت منصة "آي صاغة" أن الذهب والفضة يعيدان تأكيد مكانتهما كأدوات
رئيسية لقياس توجهات المستثمرين العالميين في ظل موجة من التذبذبات الجيوسياسية والمالية.
أما منصة (FXStreet) فقد أشارت إلى
أن تجاوز سعر الذهب حاجز 3500 دولار من شأنه أن يفتح المجال أمام موجة جديدة من الارتفاعات
في ظل تفاعل الأسواق مع تطورات الشرق الأوسط وسياسات الإدارة الأمريكية التجارية وتوقعات
خفض الفائدة المرتقبة من قبل الفيدرالي الأمريكي، في السياق ذاته ذكرت وكالة بلومبرج
أن المخاطر المتزايدة جراء التهديدات الإيرانية بالرد بما في ذلك استهداف محتمل للقواعد
الأمريكية تزيد من حالة الغموض وعدم اليقين وتدفع بالمستثمرين إلى تكثيف الطلب على
الذهب، وأوضح "شارو تشانانا" الخبير الاستراتيجي في شركة (Saxo Capital Markets Pte) أن الذهب لا يُنظر
إليه فقط كتحوط ضد تصاعد الصراع بل أيضًا كأداة من احتمالات ارتفاع التضخم على المدى
القريب، وتوضح هذه المؤشرات أن الذهب وسط الأزمات الجيوسياسية والضبابية الاقتصادية
يواصل تأكيد موقعه كأحد أبرز الأصول الدفاعية في مواجهة التقلبات لا سيما في بيئة يغلب
عليها القلق من تدهور الأوضاع من منطقة الشرق الأوسط.
خامسًا: الأسواق
المالية والعملات
بدأت الأسواق
العالمية التفاعل بقوة فور تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران خصوصًا بعد الضربات الجوية
الإسرائيلية التي استهدفت منشآت إيرانية، هذا التصعيد انعكس مباشرًة على أسواق الأسهم
العالمية حيث دفع مخاوف المستثمرين بشأن استقرار إمدادات الطاقة والنمو الاقتصادي إلى
موجة بيع واسعة، وفي الولايات المتحدة تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 750 نقطة
(1.8%)، وهبط مؤشر (S&P
500) بنسبة 1.1%، ومؤشر ناسداك المركب بنسبة 1.3% في دلالة على انتقال
المستثمرين إلى الأصول الآمنة مثل الذهب وسندات الخزانة والدولار الأمريكي في ظل تصاعد
التوترات الجيوسياسية، في المقابل حققت أسهم شركات الطاقة مكاسب قوية مع ارتفاع أسعار
النفط بنسبة تراوحت بين 7% و9% مما انعكس ايجابًا على أسهم شركات مثل "إكسون موبيل"
و"شيفرون" و"دايموند باك إنرجي".
وعلى الجانب
الآخر، تضررت أسهم شركات الطيران والنقل البحري نتيجة المخاوف من ارتفاع تكاليف الوقود
وتراجع الطلب على السفر مما أدى إلى انخفاض أسهم شركات مثل "يونايتد إيرلاينز"
و"دلتا" و"كارنيفال كروز"، كما تأثرت أسهم شركات التكنولوجيا سلبًا
إذ تراجعت أسهم "أبل" و"نيفيديا" و"مايكروسوفت" وسط
أجواء من الحذر الاستثماري ولم يكن القطاع المالي بمنأى عن الضغوط حيث تراجعت أسهم
المؤسسات المصرفية بسبب المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي واضطرابات مالية محتملة.
في المقابل،
ارتفعت أسهم شركات الصناعات الدفاعية مثل "لوكهيد مارتن"، و"ريثيون"
و" نورثروب غرومان" مدفوعة بتوقعات بزيادة الإنفاق العسكري كما صعدت أسعار
الذهب والدولار الأمريكي نتيجة تحول المستثمرين إلى الأصول الآمنة، وعلى صعيد الأسواق
الإقليمية تراجعت بورصات الشرق الأوسط بشكل ملحوظ يوم الأحد 15 يونيو مدفوعة بمخاوف
من تصعيد أوسع ورغم هذه التقلبات ترى بعض المؤسسات المالية أن تأثير الهجوم على الأسواق
قد يظل محدودًا ما لم يتطور النزاع بشكل أوسع، وعلى صعيد العملات ففي أعقاب الهجوم
الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو 2025 شهد الدولار الأمريكي ارتفاعًا ملحوظًا مقابل
العملات الرئيسة مثل اليورو والين، نتيجة توجه الأسواق نحو الأصول الآمنة عقب تصاعد
التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط إثر الضربات الإسرائيلية على إيران.
اتصالًا، قفز
الدولار بنسبة 0.3% أمام الين الياباني و0.1% مقابل الفرنك السويسري في حين ارتفع مؤشر
الدولار بنسبة 0.5% إلى 98.2 منهيًا موجة خسائر دامت جلستين، وهذا الارتفاع يُعزى إلى
لجوء المستثمرين إلى الدولار كملاذ آمن في أوقات الاضطراب العسكري وهو ما يعكس ردة
فعل نفسية مألوفة في الأسواق العالمية، كما أشار محللو السوق إلى أن التاريخ يُظهر
ميل الدولار للصعود فور اندلاع صراعات مماثلة إلا أن استمرار العملية العسكرية لفترة
طويلة قد يقوض الثقة في الأسواق العالمية ويؤثر سلبًا على معنويات المستثمرين، ورغم
المخاوف الناتجة عن التصعيد بين إسرائيل وإيران يرى بعض المحللين أن التهديد الأكبر
للاستقرار المالي العالمي يتمثل في السياسات التجارية لا سيما الرسوم الجمركية التي
يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلا أن استمرار احتمالات التصعيد العسكري في الشرق
الأوسط جعل الدولار والذهب الخيارين الأبرز للمستثمرين الباحثين عن الأمان في ظل عدم
اليقين العالمي.
سادسًا: القطاع
المصرفي
يقلل ارتفاع
أسعار النفط من فرص خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في الربع الثالث 2025 كما
تُصعب هذه التطورات أيضًا على البنك المركزي الأوربي الأمور، فقد انخفض معدل التضخم
في منطقة اليورو خلال الأشهر الأخيرة بفضل انخفاض أسعار الطاقة لكن هذا الوضع يخشى
أن يتغير الآن ويشكل ارتفاع التكاليف مصدر قلق آخر لقطاع التصنيع، ومن شأن تصعيد التوترات
في الشرق الأوسط أن يفاقم المشاعر السلبية ويلقى بثقله على النمو الاقتصادي إذا يزداد
ادخار المستهلكين وتؤجل الشركات استثماراتها، إذا استمر هذا الوضع لفترة طويلة فإن
توقعات منطقة اليورو ستصبح أكثر ميلًا إلى الركود التضخمي وبالتالي من المتوقع خفضًا
لأسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي في سبتمبر 2025.
ووفقًا لوكالة
بلومبرج تستعد عدة بنوك مركزية مثل الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا وبنك اليابان للإبقاء
على أسعار الفائدة دون تغيير مؤقتًا بينما تراقب التأثيرات المحتملة للصراع على التضخم
والنمو الاقتصادي ومن أمثلة السيناريوهات المتوقعة لقرارات بنوك مركزية الأسبوع المقبل:
- بنك الاحتياطي
الفيدرالي الأمريكي: من المرجح أن يبقى على أسعار الفائدة ثابتة مع مراقبة تأثيرات
ارتفاع أسعار الطاقة على معدلات التضخم والتوقعات الاقتصادية قبل أي خفض تدريجي محتمل.
- بنك إنجلترا:
السير على نفس النهج مع فرصة صغيرة لتعديل محدود وسط رهبة متزايدة حيال تكاليف الطاقة
وضغوط النمو المحلي.
- بنك اليابان:
قد يتجنب الخوض في تحركات الفائدة لكن قد يعيد ضبط سياسته النقدية خاصًة برامج شراء
السندات لمواجهة تقلبات السوق.
- بنوك أخرى:
مثل السويد وسويسرا متوقع أن تجري تعديلات طفيفة بينما البنوك في البرازيل وتشيلي وتركيا
وإندونيسيا من المرجح أن تبقي على معدلاتها ثابتة.
ومن المتوقع
أن تؤدي التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط إلى ضغوط مباشرة وغير مباشرة
على السياسات النقدية للبنوك المركزية في المنطقة وحول العالم فمع تصاعد المخاطر الأمنية
واضطراب سلاسل الإمداد قد تواجه الاقتصادات الإقليمية ضغوطًا تضخمية نتيجة ارتفاع أسعار
النفط والسلع الأساسية، وفي هذا الصدد تشير التقديرات إلى أن كل زيادة بنسبة 10% في
أسعار النفط ترفع معدل التضخم العالمي بنحو 0.4% سنويًا وهو ما قد يدفع البنوك المركزية
إلى تبني سياسات أكثر تشددًا لمواجهة التضخم، في المقابل وفي حال تزايد حالة عدم اليقين
وتباطؤ النشاط الاقتصادي قد تجد هذه البنوك نفسها أمام تحد مزدوج: احتواء التضخم دون
خنق النمو، مما يتطلب موازنة دقيقة بين تحقيق الاستقرار النقدي والحفاظ على وتيرة التعافي
الاقتصادي خصوصًا في الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية أو تلك
المتأثرة بتدفقات رأس المال الأجنبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق